كانت ولادتها قبل نكبة فلسطين الثانية عام 1965، أو النكسة -كما فضل البعض أن ينعتها- وكانت لها سمة البذل والعطاء منذ أنجبتها قلوب حرائر فلسطين، وشرعت تغرس الأمل والرجاء في بيداء النكبة، يراودها حلم العودة والتحرير والتئام الجرح. لا شك بأن النكسة قد أعادت المرارة في الحلوق، حين ازدادت قساوة العيش على الشعب الفلسطيني ولم يعد لهم ملاذا سوى التكاتف والتعاضد.
من هناك…أنارت جمعية إنعاش الأسرة شمعتها، حيث استمسكت بعرى كرم قديم توارثته النفوس الكبار لنساء العرب…فطفقت تزرع الخير في النفوس، وتضمد الجراح، وتسند القلوب المهيضة، حيثما بلغت يدها الحانية…
لم تكن جمعية إنعاش الأسرة إذا مجرد مؤسسة عابرة على دروب الوطن، بل جاءت مكابرة عنيدة من نساء يسبقن الرجال في مواجهة الأحداث الأليمة في فلسطين، وكنّ بمثابة كتيبة طلائعية تسير على دروب العطاء حين تقدمت الصفوف قامة عالية، وجبهة تنحني أمامها الجباه، وترفض العطاء المزعوم إن كان تفضلاً أو من يد يشوبها الشك وتضمر الشر لشعب فلسطين.
أبت تلك القامة المكابرة للسيدة “سميحة خليل” أن يدخل المال الأمريكي المشبوه إلى مؤسستها الرائدة، واعتذرت لتلك اليد بمقولتها التي تشع كبرياء: ”نحن لا نقبل منحتكم في الوقت الذي تعطون فيه الحراب للاحتلال كي يشرد أبناء شعبي”.
الخالة أم خليل كانت مدرسة لا يجرؤ الزيف أن يخالط عملها الطاهر، هي “أم سعد” كنفاني التي علمت فتيات الوطن كيف يكون الانسان جديراً بفلسطينيته، فتركت بذلك إرثاً محموداً من تفاني المرأة الحرة المقبلة على العمل التطوعي بنفس تعشق العطاء، وتواجه ما ينشره الاحتلال من عوامل القهر والتخاذل بمزيد من التفاني، وابتداع الطرق الجديدة في سبيل إسناد الأسرة الفسطينية وتصحيح المسيرة كلما تهاوت القلاع.
وعلى الدرب نفسه، حين رحلت الرائدة، أقسمت أخت لها، وهم يهيلون التراب على جسدها الطاهر، أقسمت أن تواصل الريادة، وتحافظ على طهارة القلوب والأيدي، فكان أن شغلت ذات المكان وآثرت أن تسعى مع رفيقاتها بصمت متدبر وصبر إنكار الذات كي تجدد العطاء وتوسع دائرة الضوء لتشمل مزيداً من الأيدي المجهدة، والعيون المسهّدة من بنات الأسرى وأمهات وزوجات الشهداء، فأبرأت مزيداً من جراح النفوس، واستجابت لأنّات المحزونات من الأسر، فكانت السيدة الكريمة فريدة العارف خير خلف لخير سلف، حافظت على الأمانة، ورعت للعهد حرمته، ولذّ لها طعم العطاء والإيثار، فكان أن أينعت الغصون، وامتلأت الأيدي والنفوس بالثمار.
انطلقت العمد في رحلة حافلة بالصعاب والعطاء بمرافقة زميلاتها و رفيقاتها في الفكر المستنير الساعي لدعم أبناء شعبنا الفلسطيني عقب حربي النكبة والنكسة، فكانت سنواتها حافلة بالكثير من الأحداث والتطورات. فكانت الجمعية تعاني من أزمة مالية خانقة، خاصة وأن الاحتلال منع تحويل الأموال والتبرعات من الخارج للجمعية في محاولة يائسة لتحجيم دورها الوطني والخيري. هذا لم يثن العمد وزميلاتها عن الاستمرار في العمل؛ فاستقبلن الوفود وشاركن في فضح جرائم الإحتلال وإعلاء صوت النساء الفلسطينيات في كل مكان. كما دأبوا بتطوير المراكز الإنتاجية وتوسعة خدمات الجمعية من ناحية أخرى، علاوة على تحقيق تقدم ملموس في تطوير برامج التعليم الأكاديمي والمهني في كلية إنعاش الأسرة.
وفي عهد العمد تتالت الإنجازات واستمر النهج التنموي الريادي الذي خطته أم خليل؛ فحازت الجمعية على عشرات الجوائز منها جائزة البنك الإسلامي للتنمية، وجائزة مجلس الحرف العالمي، وعلى جائزة التميز والإبداع علاوة على عشرات الدروع والتكريمات و الشراكات والتغطيات التي تفخر الجمعية وطاقمها بها.
إن المتتبع لمسار عمل الجمعية سيجد أنها نمت وتطورت بالرغم من البداية المتواضعة في المكان والإمكانيات، فقد امتلكت الجمعية عنصرا خاصا نادرا ألا وهو : السيدات المؤمنات بحق شعبهن في الحياة والحرية والاستقلال عبر تمكين النساء وتشغيلهن ودمجهن بشكل مناسب في كافة مناحي الحياة.
الأم المؤسسة لجمعية إنعاش الأسرة، لعبت دورا رياديا، وثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا، كما ساهمت في تأسيس الحركة النسائية والاجتماعية الفلسطينية، ودعمت دور المرأة في صنع القرار الوطني. توفيت في العام 1999 وكتب على ضريحها: "ناضلت من أجل حرية واستقلال الشعب الفلسطيني".
منارة في تاريخ الجمعية، كانت أمينة سر الجمعية لسنوات طويلة، حفظت كل ما يتعلق بها، كما مثلت العقل الراجح والرأي السديد، انضمت للجمعية في عمر الشباب ولازالت حتى اللحظة عضوة فاعلة فيها. خرجت للميدان لتقديم المساعدات للعائلات المهجرة والمنكوبة، وأعدت الأبحاث الاجتماعية، وساهمت في التحضير لإنشاء وتأسيس روضة الجمعية، كما عملت كعضوة في اللجنة الثقافية، وعضوة في لجنة إنعاش الريف.
إحدى مؤسسات جمعية إنعاش الأسرة، وعضوة فاعلة في أنشطة وفعاليات الجمعية، أسست اللجنة الثقافية في منتصف السبعينات لتعزيز الوعي الثقافي للفتيات. كما مثلت الجمعية محليا وخارجيا بالنيابة عن الأم المؤسسة سميحة خليل؛ التي منعت من السفر لأكثر من 12 عام. وقد انتخبت نائبة للرئيسة ومن ثم رئيسة للجمعية عام 1999. عملت على تطوير الأقسام الانتاجية وحمل إرث إنعاش الأسرة وتوسعة خدماتها. وهي الرئيسة الفخرية للجمعية مدى الحياة.
نائبة رئيسة مجلس الإدارة للدورة الأولى، وقد كانت عضوة في لجنة إغاثة المتضررين؛ هذه اللجنة التي كان لها دور هام وحيوي في إغاثة وإعانة الأسر المتضررة، جراء الاحتلال الإسرائيلي واعتدائاته المتكررة على أبناء شعبنا. إضافة إلى الدور الهام في تجنيد الأموال وجمع التبرعات لتوزيعها على الأسر المتضررة بعد دراسة أحوالهم الاجتماعية.
رئيسة الجمعية للدورة الثالثة، وإحدى أبرز الداعمات والمتبرعات للجمعية. اختيرت نائبة للسيدة فريدة العمد نظرا لنشاطها وإخلاصها في خدمة مجتمعها، ثم انتخبت رئيسة عقب استقالة العمد. قادت الجمعية في مرحلة حرجة ونهضت بها وبأنظمتها الإدارية والمالية وهيأت الطريق للدماء الشابة في الانتخابات الإدارية للجمعية.
أشرفت على برنامج التكافل الاجتماعي؛ أحد أكبر وأهم برامج الجمعية الخيرية، فتطور القسم وأصبح فيما بعد دائرة اجتماعية تضم مسحا بيانيا ضخما للعائلات المستورة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد اهتمت السيدة سمر بالمتابعة الدائمة، والعمل على تطوير وجلب المساعدات لهذه الدائرة التي تتكفل شهريا بأكثر من ألف أسرة فلسطينية، إضافة إلى الأيتام المسجلين لديها. تم اختيار السيدة التيجاني لتكون نائبة لرئيسة مجلس الإدارة، ومن ثم قررت عدم الترشح لدورة جديدة وفتحت المجال أمام جيل جديد من الشابات.
عضوة مجلس إدارة جمعية إنعاش الأسرة لسنوات عديدة، ساهمت في كثير من لجان الجمعية وساعدت في تنفيذ الكثير من المشاريع الريادية فيها. كما كانت داعما أساسيا لأعمال الخير فيها، وتركت بصمة مهمة في تطوير قسم التكافل الاجتماعي، وفي نسج علاقات تواصل مع المتبرعين من الخارج، وترتيب وتنظيم القسم.
استطاعت ان تكون عامودا من أعمدة جمعية إنعاش الأسرة، فاهتمت بقسم التطريز الفلاحي؛ إضافة الى نشاطها مع عضوات مجلس الإدارة، فتميز القسم وشغّل مئات السيدات من بيوتهن في مختلف القرى الفلسطينية، وأصبح عنوان ومقصدا لكل من يرغب بالتميز في المجال التراثي، حيث استطاع القسم أن يحافظ على الغرزة الفلاحية، وأن يحيي الأثواب الفلسطينية، ويحمي تراثنا.
هي أمينة الصندوق في الجمعية لسنوات عديدة، ومشرفة الدائرة المالية، ساهمت في وضع السياسات المالية الخاصة بالدائرة، كما ساهمت في دراسة الأنظمة المالية في الجمعية ككل، وساعدت مع إدارة الجمعية بتخطي العديد من الأزمات المالية التي مرت بها الجمعية. علاوة على دعمها لكافة الأنشطة والمشاريع في الجمعية.
رافقت الأم المؤسسة سميحة خليل، منذ البدايات، فشاركت في افتتاح الأقسام المختلفة كالروضة، وقسم التجميل، والتطريز والخياطة، وغيرها، وعملت على متابعة احتياجات الأقسام وتلبيتها. كما شاركت في زيارة المدن والقرى الفلسطينية المختلفة مع عدد من أعضاء لجنة إغاثة المتضررين لتسجيل الأسر المحتاجة والمتضررة، وتوزيع المساعدات، والانخراط في لجان الجمعية المختلفة لتقديم المساعدات اللازمة.
حضرت منذ بدايات تأسيس الجمعية، ووقفت إلى جانب الأم المؤسسة سميحة خليل. عملت كرئيسة لجنة المصنوعات المنزلية، ومسؤولة سكن الفتيات، كانت تولي الفتيات عناية واهتمام خاص، وتنفق عليهن بشكل شخصي؛ حيث وفرت الجمعية لهن احتياجاتهن الأساسية، وهي لبت الكماليات وعاملتهن كبناتها، وساهمت بتزويج العديد منهن. كما كان لها حضور وطني فاعل في المظاهرات والاعتصامات.
تأسست جمعية إنعاش الأسرة استجابة للتحديات الجمة التي يواجهها الشعب الفلسطيني منذ نكبته، وذلك كمبادرة خيرية نسوية وطنية أبت أن ترى شعبها مظلوما فقررت الكفاح بطريقتها الخاصة من أجل دعم صموده بكل السبل المتاحة لتساهم في نهضته نحو الحرية والاستقلال.
تهتم جمعية إنعاش الأسرة في حفظ وصون الإرث الثقافي الفلسطيني لأنه جزء لا يتجزأ من الهوية وعاملا مهما في تثبيت الحق التاريخي في الوجود على الأرض.
تولي الجمعية اهتماما خاصا ببناة مستقبل الغد وتحاول أن توفر لهم بيئة تعليمية صحية تواكب آخر التطورات في مجالي التربية والتعليم
تؤمن جمعية إنعاش الأسرة بأن نهضة المجتمع تبدأ من المرأة لأنها هي المسؤولة عن إنشاء الأجيال القادمة! لذلك، تسعى الجمعية لتمكين المرأة ماديا بشكل مستدام وتزويدها بسلاح العلم والمعرفة وأيضا المهنة والوظيفة لتكون قوية وقادرة على تحمل مسؤولياتها بكل كفاءة.
لا شك بأن التراث الفلسطيني هو تراث أصيل وغني بكل ما يحتوي من عناصر تتعلق بالأكل واللباس والعادات والتقاليد، مما جعله عرضة للانتحال والسرقة من قبل العدو الإسرائيلي. لذلك، تصر الجمعية على أن تكرس أقساما خاصة للحفاظ على التراث الفلسطيني من أن يسلب كما سلبت الأرض.
جميع الحقوق محفوظة لجمعية إنعاش الأسرة 2024 ©